ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الدينار في السوق السوداء


برزت مفارقة غريبة في الأسابيع الأخيرة على علاقة بمستوى صرف العملة الوطنية لدى البنوك، وقيمتها في السوق الموازية، إذ لم ينعكس تعافي الدينار النسبي في التداول الرسمي خلال الفترة الأخيرة على مستواه في “السكوار” ما أدى إلى طرح التساؤلات حول أسباب هذه الفوارق المتباينة؟
بخصوص استمرار سعر صرف الدينار في السوق الموازية على نفس المستوى تقريبا، أن السعر هنا يخضع لمحددات أخرى مختلفة تماما عن تلك المحددة لسعر البنك، وأهم هذه المحددات هي مبدأ العرض والطلب، فالعرض قليل والطلب متزايد في ظل فتح أكبر للأجواء. فالجزائريون يلجأون لشراء العملة الصعبة من السوق السوداء عندما يتوجهون للعمرة والعلاج وكذلك الأمر بالنسبة للطلاب المتوجهين الدراسة في الخارج أو الجامعيين المشاركين في مؤتمرات وملتقيات علمية وحتى أولئك الذين يسافرون للسياحة و قضاء العطل. كما من المتوقع أن يزداد العرض بعد السماح للمواطنين بإستيراد سيارات أقل من 3 سنوات من الخارج.
وحسب بيانات بنك الجزائر لهذا الأسبوع المتعلقة بقيمة صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية الرئيسية، فإن 1 يورو يساوي 139.4003 دينار للشراء، و139.4574 دينار للبيع، في حين بلغ سعر صرف 1 دولار 140.6663 دينار للشراء، و140.6913 دينار للبيع.
مقابل ذلك، ارتفع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الدينار في السوق السوداء على مدار الأيام الأخيرة، حيث بلغ الأربعاء صرف 100 دولار 21 ألف و200 دينار للشراء في سوق السكوار، بينما وصل اليورو إلى 21 ألف و100 وصولا إلى 150 دينار.
وقبل عدة أسابيع شهد سعر صرف الدوفيز تراجعا في السوق الموازية وصل إلى مستوى 20.5 دينار لكل واحد يورو، و20.7 لكل دولار واحد.
لكن المتابعين لسوق صرف العملات الأجنبية في الجزائر لاحظوا أن مستوى السوق الموازية وبعد أن شهد تحسنا طفيفا في قيمة الدينار مقابل الدوفيز الصائفة الماضية، عاد ليتراجع مجددا أمام الدولار واليورو، ولم يواكب بداية التعافي الذي ميز العملة الوطنية مقابل أخرى أجنبية لدى البنوك.
في هذا الصدد، تعتمد الجزائر نظام سعر الصرف العائم المدار، بمعنى أنه لا يكون هناك سعر صرف ثابت كما كان في العهد الاشتراكي ولا عائم حر بصفة كاملة، وإنما يتدخل البنك المركزي لتحديد سعر الصرف وفق هامش حرية معين.
وإذا نظرنا إلى الأسباب الفعلية لهذا التحسن في سعر صرف الدينار، فيمكن أن نعيدها إلى عاملين مرتبطين بتحديد سعر الدينار، إذ هناك ارتفاع كبير في أسعار النفط منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية أو منذ بداية التوترات السياسية بينهما، مما أدى إلى ارتفاع في مداخيل البلاد، وأيضا هناك ارتفاع في الصادرات خارج المحروقات، مما أثر في النهاية على وضعية ميزان المدفوعات، وقد يستمر التحسن في سعر صرف الدينار إذا استمر التحسن في هذه المؤشرات.
و بالنسبة لسلة العملات فهناك تراجع في سعر صرف اليورو أمام الدولار بسبب الركود الذي يعرفه الاقتصاد الأوروبي، وبسبب البطء في التحرك لمواجهة موجة التضخم الذي يجتاح الدول الأوروبية برفع أسعار الفائدة، مقارنة بالتحرك اللافت والمتكرر للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في هذا المجال مما جعل الدولار أكثر قوة.
وبخصوص إمكانية استفادة اقتصاد الجزائر من هذه المتغيرات، أن معظم صادرات البلاد من المحروقات، ما يعني أن معظم المداخيل تقبض بالدولار، في حين أن الاتحاد الأوروبي يعتبر المورد الأكبر، وبذلك فإن الجزائر تدفع مقابل معظم وارداتها باليورو.
الجزائر تدفع إذن بعملة فقدت جزءا من قيمتها نسبيا، وبالتالي سيكون هناك تحسن طفيف في القدرة الشرائية للبلاد إذا استمر الركود في منطقة اليورو، وسينعكس ذلك في انخفاض طفيف في فاتورة الواردات، سواء كانت على شكل سلع استهلاكية تباع على حالتها، أو على شكل مواد أولية للشركات ومدخلات الصناعة وبالتالي انخفاض في تكلفة المنتج وفي سعره في السوق في النهاية.
وهذا التحسن الطفيف لن يكون في الأجل القصير نظرا للكبح الشديد للواردات وبطء إجراءات التوطين البنكي عموما وانتهاء بوصول السلع.

إرسال تعليق

0 تعليقات